ارتق بروحك
أخر الأخبار

لا تيأسواْ!..

كنت قد قرأتُ ذات مرة أنّ دعاءنا (اللهم استر عوراتنا) يشمل في ما يشمل ستر العورات النفسية عن الشيطان!..نعم..فالشيطان يُكنّ لنا عداوة كبرى يطمع أن يحرمنا بها الجنة {إن الشيطان لكم عدوٌّ فاتخذوه عدوًّا}..ثم إنه مع ذلك يرانا ولا نراه{إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم}..
فهو-بما سبق-قريب إلى الإنسان..يُدخله متاهات المعاصي..يهوي به إلى القاع..يُريه أسوأ ما فيه ويُخرج منه ما لم يكن يتوقعه..{ليريهما ما ووري عنهما من سوءاتهما}..!
ولعل أعظم مدخل نفسي يسلكه الشيطان ويُحقق به وعده القديم {ولا تجد أكثرهم شاكرين} هو اليأس!..فمن سيطر عليه اليأس أساء الظنّ بالله..وحُرم رؤية الجمال..وكفر نعمة ربه..وذاك هدف الشيطان..!

الشيطان يسعى ليأسك من إصلاح نفسك..يُريك أسوأ ما فيك..يوسوس لك كالناصح الأمين وما يريد إلا أن تركز على نواقصك وأخطائك..يُبعد عنك كل صورة للتديّن أو الإيمان..يجعلها كصورة عتيقة تستحقّ أن تُحفظ في متحف..صورةٌ بعيدة المنال وأنت شقيّ يائس لا أمل في إصلاحك ولا صلاحك!..

يفعل الشيطان الشيء ذاته معك إن ابتُليت بذنب ولم تستطع بعدُ الإقلاع عنه!..يقول لا فائدة تُرجى منك ولا خير فيك..يُعمل معاوله داخل نفسك..يحرمك السعيَ إلى التوبة..وإن تبت مرة أو اثنتين ثم عدتَ ألجمك بالقنوط..وأقعدك باليأس..ومنعك لقب الأوّاب!..

يسعى ليأسك من إصلاح مجتمعك وأمتك!..يُعميك عن ما فيهم من خير رغم أخطائهم..يجعلك تنظر بعين واحدة..فترى الجهود التي يبذلها أهل الفساد للإفساد..وجهود التضييق على المصلحين..وصعوبة التغيير وتعثر الإصلاح..يجعلك تتحسر دون عمل..تتآكل دون همّة..وتتمنى دون سعي..تضع العقبات لنفسك..تُضيع كثيرا من الفرص..وتموت حسرةً وأمتك على حالها!..

أنصت!..
أولا..كثيرةٌ هي قصص الصالحين الذين هداهم الله بعد غيّ وضلال..وربما يؤنسك أن الصحابة خير هذه الأمة كانوا جاهليين قبل الإسلام!..يعبدون الأصنام ويشربون الخمر ويئدون البنات..فلا تيأس من إصلاح نفسك..ولا تتوقف..علّك إن متّ متّ على الطريق {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}..

ثانيا..تذكر قصة قاتل المائة..لم ييأس من نفسه ولم يفقد أمله أنْ يتغير..رغم أنه في طريقه للبحث عن التوبة وإيجاد سبيلها اقترف الذنب الذي يرجو التوبة منه!..قتل العابِد الذي قال له ما لك توبةٌ من القتل!!..ولكنه لم يتوقف بل انطلق إلى العالِم يسأله وسلك الطريق الذي دلّه عليه..وقد غفر الله له ولم يصل بعدُ أرض الإيمان والصالحين فقط لأنه أراد التوبة وسعى لها بجدّ ويقين..

ثالثا..أمتنا هذه أمةٌ أودع الله فيها الخير..وبثّ فيها الإيمان..وائتمنها على دينه..ولا يزال فيها الخير والصلاح والإصلاح إلى يوم الدين..لكنها سنّة الحياة أن لا يدوم لها حال..وأن يبتلي الله المؤمنين ليجزيهم أحسن ما عملوا..وأن يُسلّط أعداءهم عليهم إذا ما فترت همّتهم عن الإيمان والجهاد..ولذا فإنّ أجر المصلحين في زمن النوائب يفوق أجر المصلحين في غيره..
إن علوّ مقام الأمة يبدأ بنا..والتغيير نصنعه هنا..من أنفسنا..من أهلنا وأصدقائنا وزملائنا..ولتتذكر دائما أن العبرة في عمل المؤمن بالجُهد المخلص المتقبَّل لا بالنتائج والآثار..(والنبيّ وليس معه أحد!!)..

أخيرا..
{ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييْأس من روح الله إلا القومُ الكافرون}..

الكاتبة: تسلم محمد غلام 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى