أنا وصديقتي
صديقة الطفولة و البلوغ، كان أهلها يرحلون إلى البادية ( لعزيب ) كل خريف و كنا نادرا ما نذهب و إذا حصل تكون غير الوجهة التي يولون شطرها , و كنت أحزن على فراقها فهي أعز صديقاتي و أقربهن مني فكرا و خلقا ، كنت في المدرسة أما هي فلا ؛ لأن بعض الآباء كانوا لا يزالون متمسكين بحرمة الالتحاق بالمدارس من أيام الاستعمار رغم أنها أصبحت و منذو عقود تحت سلطة الدولة و يدرس فيها أهل الوطن مناهج الوطن ، كان ذلك يعز علي فهي ذكية و طموحة لكن ليس باليد حيلة ،
كانت كباقي الحي من مناصري الحزب الحاكم و كنت مع قلة معارضة -حتى قبل بلوغ سن الانتخاب فقد قيل لي مرة : إنك ولدت معارضة – ؛ ولم يؤثر ذلك على صداقتنا رغم أنه عصف بعلاقات و قرابات كثيرة ؛ فقد كانت كل منا تحترم للأخرى وجهة نظرها مع صون الود و المحبة و الاحترام ، و ربما ذهبت معي إلى مهرجانات المعارضة و كثيرا ما حضرت معها أنشطة الحزب الجمهوري و مسيراته ” المشعشة ” فقد كان يستخدم ممتلكات الدولة في حملته الانتخابية ،
و كان معشر المعارضة يعول على القناعة و “حب النضال” فهما الوقود و الدافع لمناصرتهم ولا ينفي ذلك وجود بعض الولاء القبلي لكنه أكثر و أعم في الجانب الآخر حيث شيوخ القبائل و المصالح الشخصية والقبلية و الجهوية و إغراء المال و المناصب . و طبعا لا مكان مع ذلك لقيم مثل بناء الوطن و تحقيق العدالة و التنمية الاقتصادية والاجتماعية … و غير ذلك من مصطلحات الوطنية و الرسالة السامية المتعالية على المنافع الشخصية و المفاهيم الضيقة ، فقد دخل الناس أو أغلبهم معترك السياسة بثيابهم البدوية و بعض العقليات التي لا تشجع على خوض المعركة بروح رياضية و تفهم لاختلاف وجهات النظر و احترام للرأى و القناعة ، بل بفرض راي و وجهة نظر الحاكمين بكل الوسائل بالترغيب تارة و الترهيب تارة ، و عم التزوير بأبشع صوره ، و شاعت روح التفرقة حتى بين أبناء العائلة الواحدة و أصبح السائد أن من ليس معنا فليس منا بل قد تكون له أصول أخرى و كثيرا ما برزت عوائل تتحدث عن أصول لها غير التي كانت معروفة ، و ربما نبذ شخص و قد كان ملء السمع والبصر لأن له وجهة نظر مغايرة ؛ و ذاك قاطع ابن خالته و هذا خاصم صديقه … تلك بعض ثمار قطفناها من ديمقراطية العلب الفارغة !
كنت أنا و صديقتي في هذا الجو العاصف نتمسك ببعضنا و نجعل من تعدد خياراتنا ميدانا للفسحة و والاكتشاف؛ فقد كانت إذا اصطحبتها إلى مهرجاناتنا تسمع خطب المعارضين و ما تحمله من روح ثورية و تطلع للتغيير نحو الأفضل، و ما تفضحه من أمور و سياسات خاطئة لدى الحاكمين، ما كانت صديقتي لتسمعه هناك، و كنت أنا أيضا إذا اصطحبتني إليهم استمتع برؤية تلك المظاهر المبهرجة و السيارات الفارهة و الأناشيد الحماسية ! و هي أمور لا تحصل إلا خلال الحملات الانتخابية و أجول معها _و طبعا معنا بعض الأهل و الأقارب فما كان لنا أن نترك دون رفقة مأمونة _ إذا كانت هناك مسيرة تجوب مناطق المقاطعة ؛ و كلما مررنا على أعلام للمعارضة حييتها بحماس رغم أني في مسيرة “الآخرين” و أن المحيطين بي ينادون بعكس ذاك و منهم صديقتي ؛ و كانت يدي تلوح لهم بإشارة النصر و التشجيع وحيدة بين كل تلك الأيادي المرفوعة بعلامة صفر _ فلم نكن حينها نعرف التعبير برفع الإبهام و خفضه عن الإعجاب و ضده _ فأضحك أنا و تضحك صديقتي من هذا التناقض العجيب و الممتع معا، و من كوني أغرد خارج السرب ! نعم إنه التغريد خارج السرب فعلا ، ثم تنطلق المسيرة في اتجاه آخر و هكذا ….
كنت أنا و صديقتي – رغم حداثة السن و قلة التجربة – أقوى من رجال و نساء فرقتهم السياسة و ختمت على قلوبهم بسبب ضيق الأفق و التزمت و حب الإقصاء .
فالخلاف لا يفسد للود قضية كما يقال ؛ و ذلك هو الاختبار الحقيقي لصدق الود و عمق العلاقة ، فمن يحبك و يقدرك في حال الاتفاق ، و يميل عنك إذا خالفته أو لم تسايره في وجهة نظره ؛ فليس بمحب ولا بمنصف .
حيا الله صديقتي و أطال عمرها في طاعة الله ، فقد كانت و ما زالت رمزا للصدق و الود الخالص و القلب الصافي .
عيشة بنت البنباري
جميل
و أنت أجمل