خواطر معلم
كأني في زمن تحكي الأم لابنها:
كان ما كان في قديم الزمان وسالف العصر و الأوان إذا رأى التلميذ معلمه وقف وارتجف وانصت و أتمر احتراما وتقديرا، أما الذي يعرف مكان سكن المعلم فذاك له حظوة خاصة في نفوس التلاميذ ومن يبعثه المعلم للمدير فكأنما هو مبعوث الأمم المتحدة اعتزازا و افتخارا.
كان ذاك في زمان كان للمعلم مكانة في نفوس الناس تسربت تلك المكان إلى قلوب الأطفال، فقدروه و أحبوه فكانوا على استعداد لتلقي العلم منه بلهف وشغف، أما اليوم فللأسف يجد المعلم نفسه و هو الذي قيل عنه
قف للمعلم وفه التبجيلا
كاد المعلم أن يكون رسولا
يجد نفسه محتقرا لدى الجميع، فلا التلميذ يجله، ولا الوكيل يحترمه، ولا الإدارة تقدره، فأين الملاذ و أين المفر ؟ .
هو المعلم…..
يترك الأهل والأحباب و الأوطان مغادرا إلى آدواب ولكصور حيث تنعدم وسائل الحياة ولا أقول وسائل التعليم فهي مفقودة في العواصم فمن باب أحرى إذا تلك المناطق النائية.
هو المعلم…..
تصنع به الموازنات الجهوية لأجل أن يكون لأهل فلان مدرسة والحقيقة أنه لا يوجد منها إلا كوخ متهالك أو عريش متقادم يطيش القلب في ما يخرج منه من حشرات و زواحف لم يتعود التعايش معها ولم يكن يتصور أنها ستكون أنيسه في غربته، مع أنها مصدر رعبه في وحشته، ليبقى المعلم ضحية لتلك الأغراض.
هو المعلم…..
يشق الصعاب لغرس قيم وأخلاق فاضلة متحديا كل الظروف القاسية فلا الكتابة على سبورة أصابت يده بالعطب تثنيه… ولا المباني ترقى لأن تكون أقساما ولا حتى مكتب المدير يصلح أن يكون قاعة استراحة في الدقائق التي يلتقط المعلم فيها انفاسه.
هو المعلم….
من يتحمل شراء الكتب رغم ضآلة راتبه، مع أنه غير مسؤول عن توفيرها هو من يشتري الطباشير لكتابة درس على سبورة متقعرة، نحتت عليها مآسيه، حتى إذا ما أراد أن يكتب الدرس تحلل النحت وتسرب إلى ذاكرته، ليحيي فيه شؤم اليوم الذي اتخذ فيه قرار مسيرته المهنية، فتوقظه من غفلته، رمية رام يدرسه، يلتفت مغضبا فيتذكر أن العقاب محرم وأنه لا حول له ولا قوة، فيتظاهر بالتغافل.
هو المعلم…..
لا يجله إلا مجتمع راق متعلم عرف له حقه فأجله، وأعلى قدره ورفع مكانته، و “سيحمد القوم السرى” إن هم فعلوا أما الآن فهو” ألا لحم الركبه” .