آراء
أخر الأخبار

في صحبة الشيخ ١٢ عاما

كان من حظي أن تتلمذت على الشيخ “محمدن عبد الرحمن ولد أحمد الملقب ول فتى” في إذاعة القرآن الكريم من خلال برنامجه ذائع الصيت “جواهر التفسير” حيث جلست لأول مرة أمام ذلك الشيخ الوقور الذي يطيل النظر إلى الأرض أكثر من نظره إلى مقدم البرنامج، يوم الخميس 7 أكتوبر 2010 حتى الخميس 02يونيو 2022 لينقل بعد ذلك على قناة المحظرة الفضائية ويبدأ مع الشيخ من أول القرآن الكريم.

كانت فكرة البرنامج من السيدين الفاضلين “عبد القادر ولد سيدي محمد” المدير الأول لإذاعة القرآن الكريم” رمضان 2010، ورئيس مصلحة الإنتاج الأخ والمدير : الشيخاني ولد عبد القادر، ولا أنس اتصال “المدير: عبد القادر سيدي محمد “على الشيخ الذي قبل مشكورا الاقتطاع من وقته الثمين لساعة من كل يوم خميس “الواحدة بعد منتصف النهار حتى الثانية ظهرا”.

بدأت مع الشيخ برنامج “جواهر التفسير” عبر أثير إذاعة القرآن الكريم يوم الخميس الموافق. 7 أكتوبر 2010. حيث بدأنا من الربع الأخير من القرآن الكريم من “سورة يس” حتى وصلنا إلى “سورة الملك” بعد اثنتي عشرة سنة.

ولم يتوقف البرنامج إلا في شهر رمضان أو وقت غياب الشيخ التي تعد على الأصابع لأهمية البرنامج عنده، فكانت عدد الحلقات التي أنجزنا معا 286 حلقة ـ ولله الحمد ـ حافظ فيها الشيخ على السمت والدل واللباقة فكان موعدا تشتاق له الأنفس وتلذ به الأعين مع التواضع والمفاكهة والطيبوبة على لغة زميلي “مامون البار”.

كان البرنامج موعدا ثابتا لمستمعي إذاعة القرآن الكريم الذين يسألون في كل أيام الأسبوع عن صحة الشيخ وهل الحلقة مباشرة هذا الأسبوع؟ حتى كبار السن ممن كانوا يتابعون البرنامج، يرسلون إليه بعض الأسئلة الخاصة معي فكانت تجد الردود الشافية في البرنامج ـ لا سيما المتعلقة بالتفسير ـ وكان الشيخ محمد عبد الرحمن يقدم التفسير واللغة وشوارد الأدب من حفظه، فلم يدخل إلى الاستديو يحمل ورقة أبدا، وكنت أختلس النظر إليه أحيانا قبل البرنامج فإذا هو يقرأ القرآن ويواصل الختمة التي لا تنقطع إلا لتبدأ من جديد.

كان يحب مداعبتي بل يتصل أحيانا علي ويسألني بقوله “أنت اليوم كابظتك الإذاعة”، حبب إلي كتاب الله سبحانه وتعالى بأسلوبه الشيق، بل جعلني أكثر اهتماما به من غيره، بلغته الجزلة وكلامه الخالي من الحشو واللحن، كان سريع البديهة في القرآن الكريم، إذا أشرت إليه في البرنامج فهمني حيث يواصل أو يتوقف حسب الإشارة، يحب القرآن الكريم ويتذوقه، يأتيه في الحلقة الواحدة أكثر من ثلاثين سؤال في التفسير في آيات متفرقة من جميع سور القرآن الكريم فيجيب بالمناسب فيذكر بالسورة والآية التي قبل هذا دون تكلف ولا تلعثم، حتى إن بعض الأقارب يسألني هل هذه الأجوبة محضرة أم لا، فأجيبه إن الحلقة مباشرة وأن الشيخ يجيب ـ ولله الحمد ـ من حفظه، و لا أحب أن أسأله إلا عن القرآن لما أرى من تبحره فيه وحبه له وملازمته إياه.

في رمضان 2015 توقف البرنامج كالعادة لكن اقترحت علي الزميلة والمديرة “بنينة بنت اظيمن” أن أعد معه برنامجا قصيرا فكان العنوان “النداءات في القرآن الكريم” فوافق الشيخ مشكورا فأصبحت أزوره في المنزل في مقاطعة دار النعيم لأسجل الحلقات قبيل رمضان فسجلنا 15 حلقة ثم أكملناها في الموسم الموالي.

كان “شيخي” شديد الاحترام للمواعيد لدرجة الدقة ـ رحمه الله ـ كنت ألج إلى منزله في هذه الفترة بعد صلاة الصبح فأجده ينتظرني وقد أحضر بنفسه كل مستلزمات “اصبوح” و لا يقبل أن يقدم لي إلا “لبن الإبل” ثم يأمر بإعداد الشاي الذي يتخلل تسجيلنا للبرنامج، وبعد اكتمال التسجيل يرافقني حتى الباب الخارجي للمنزل ضاربا بذلك مثلا في التواضع وعدم التكبر، ويعتبرني أستاذ له ـ تواضعا منه ـ في المعلوماتية وكل ما هو متعلق بإصلاح الهواتف والأجهزة.

بدأت تفريغ الحلقات كتابة على الورق مطلع يونيو 2014 فاكتفيت بالتفسير المبرمج في الحلقة دون تدوين الأسئلة التي عنونتها ب “أسئلة وأجوبة جواهر التفسير” وكانت غنية بالمادة العلمية المؤصلة ومدرسة في اللغة ومصدرا لنفائس الدرر المنظوم والمنثور في غرائب التفسير و اللغة والأدب.

أثر في نفسي أن أفارق الشيخ نهاية سنة 2022 بعد أن قررت الإدارة أن يكون البرنامج يبث مباشرة على أثير قناة المحظرة وينقل في نفس الوقت على أثير إذاعة القرآن الكريم فاعتذرت عن التقديم في الصورة ـ لا عن مصاحبة الشيخ ـ فلم يأل المدير والزميل: الشيخاني عبد القادر جهدا في إقناعي بضرورة المواصلة في البرنامج على قناة المحظرة والبدء من أول القرآن الكريم بالترتيب بالفاتحة ثم سورة البقرة، لكن كان ضغط عمل الأخبار كبيرا ولم أكن أرغب في التقديم على قناة المحظرة لما فيه من المشقة والجهد البدني والذهني، لكن البرنامج تواصل في نسخته المرئية في عشرات الحلقات فكان المشاهدون يجدون ضالتهم المنشودة في التفسير، وكنت أجد الشيخ نزرا في بعض المناسبات الثقافية في الإذاعة.

رحم الله شيخي وأسكنه فسيح جناته وإنا لله وإنا إليه راجعون

رحم الله شيخي وأستاذي “الشيخ محمد عبد الرحمن ولد أحمد الملقب ول فتى” وأسكنه فسيح جناته وألهمنا الصبر والسلوان. ولا نقول إلا ما يرضي ربنا فإنا لله وإنا إليه راجعون

بقلم الإعلامي: محمد عبد الله عبد الوهاب

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى