أيام لا تعوض
يعيش المسلمون هذه الأيام أجواء ملؤها الفرح والسرور ابتهاجا بحلول شهر عظيم فيه تفتح أبواب الجنة وتصفد الشياطين وينادي مناد يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر اقصر, في وسط هذه الأجواء تنشرح الصدور وتعقد العزائم على استثمار فرصة سنوية نادرة رغم انف من أدركها ولم يغفر له بيد أن هناك من يحيف عن الهدف فتسير به القافلة إلى قص عمره بتضييع الوقت في النوم والملاهي وأحيانا الغوص في ملذات الحياة الدنيا وزخرفها, وبين هذا وذاك تختلف الخلائق بين فائز مكرم وناج مسلم وخاسر مفرط.
إني امرؤ صائم
لله في خلقه شؤون٬ وفي أزمانه نفحات لا يصيبها إلا من وفقه الله تعالي إلي التعرض لها واغتنام فرصتها . وشهر رمضان بأيامه المعدودات إحدى تلك النعم التي تتجلي فيها رحمة الباري وتجد فيها الأنفس أبوابا للولوج إلي جنة عرضها السموات و الأرض٬ و الصعود نحو تزكية وتطهير النفس٬ مما اقترفته٬ فتصفو وتبصر وتمشي سويا علي صراط مستقيم بعد ما غفر لها ما تقدم من ذنبها وما تأخر وفي الحديث (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر).
لكن واهب النعم أراد أن يأخذ هذا الشهر بحقه فلا يخدش بالإثم و الفسوق والسباب بل شعار المسلم فيه (إني امرؤ صائم ) ومن حقه أيضا أن يحرر الإخلاص فيه لله وتستشعر حكمته في الإحساس بمعانات البائس والفقير فيرزقان من مال الله الذي جعل الناس مستخلفين فيه.
ولعل مظاهر تصحب هذا الشهر العظيم تجعلنا نخشى من تحوله إلي موسم للتفاخر والتباهي وفرصة للربح الفاحش ولو علي حساب الصائمين . حيث تكثر الموائد وتتفرع الخلطات , كما ترفع الأسعار وتعلو درجاتها عند البعض حتى لا يتمكن الفقير من وجبة إفطار.
أما الجانب الأهم والمتعلق بالسلوك فالبعض يغلبه الكسل والبحث عما يضيع به وقته وتعويض ما فات من يومه بساعات الليل في السمر في ما لا يرضي الله في زمن تضاعف فيه الأعمال حسنها وسيئها , فاختر أخي القارئ مع أي الفريقين تحب أن تكون٬ وما أحسبك إلا من الذين يغتنمون هذا الشهر العظيم ويحرصون على تسليمه والفوز فيه وانتهاج سبله المرضية في جميع الجوانب.
من أرشيف المجلة
مقدمة تحقيق لمجلة الموريتانية العدد الثامن
بعنوان”رمضان صفاء للقلوب أم استنزاف للجيوب”
إعداد مريم عبد الوهاب