أحُبٌّ دون اتّباع؟!!
جلستْ قربي بهدوء أخذت تتفحصني حتى وقعتْ عيناها على الكتاب الذي بين يديْ كتاب “الرحيق المختوم” في السيرة النبوية العطر سألتْني فجأة: هل تحبّين رسول الله؟
أدهشني سؤالها فقلتُ: بلى، بالطبع.
قالت: وما دليلكِ على ذلك؟
زادت دهشتي وبدأتُ أنتقي كلماتي كي أجيبها، قلتُ: أحبه… أصلّي عليه إن ذُكِر بجانبي.. أبكي شوقًا إليه.. أحنّ وأدعو الله أن يجمعني به…
قالت: فقط؟ نظرتُ إليها بدهشة ممزوجةٍ بغضب حاولتُ جاهدةً إخفاءه…
قلتُ: نعم.
ابتسمتْ وسرحتْ بخيالها لِلَحظات ثمّ نظرت إليّ قائلةً:
تخيّلي.. إن أنتِ مِتِّ-أطال الله عمركِ في طاعته- تخيّلي فقط…نجوتِ من النار.. دخلتِ الجنة.. وجدتِ حبيبنا صلى الله عليه وسلم في انتظارنا عند الحوض..
تخيّلتُ بسعادةٍ بالغةٍ كلّ كلمة قالتها؛ فقاطعتها هاتفةً: يا سلاااام..
واصلتْ: تخيلي أنكِ اقتربتِ من الحبيب.. أردتِ نصيبك من الكوثر بكفه الشريف والسعادةَ بقربهِ…ألقيتِ السلام فرده عليكِ ثم تخيّلي أنه سألك:
ماذا فعلت لنصرتي؟.. ماذا فعلت بالشريعة الغراء التي أتيتُ بها من ربّ العالمين؟… ماذا عملتِ لإعلاء الدين الذي ضحّيتُ بكلّ غالٍ ونفيس لأجله؟!..
عاداني أهلي وأحبابي.. كُذّبتُ وأخرجتُ من خيرِ بقاعِ الأرض وأحبّها إلى قلبي.. أوذيتُ وسالت مني الدماء.. في الطائف وفي أُحُد… قدّمتُ أرواحَ أصحابي شهداء…وفقدتُ كلّ عزيزٍ منهم فداء…كلّ ذلك حتى يصلكِ هذا الدين!…فما فعلتِ به؟!..سنّتي…أين كنتِ منها؟..
ألم أقل:(خذوا عنّي مناسككم)!.. فأين اتّباعكِ لي؟!..
ألم أقل:(بلّغوا عنّي ولو آية)!.. فماذا بلغتِ عني؟…
اختفتْ ابتسامتي بتلقائية… رُحت أفتّش حُجرات ذاكرتي علّها تسعفني بعملٍ يشفع لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم…طأطأتُ رأسي بخجلٍ حين خاب رجائي في الذكرى وجثم على قلبي همٌّ كبيرٌ…
قالتْ: حبيبتي… إنّ الحبّ حسنُ اتّباع…ودعوةٌ ودفاع.. هو أن تظهر في المُحبِّ سماتُ المحبوب… وأن يُرى دائم الطاعة له والاقتداء به… إنّه دعوةٌ إلى ما دعا إليه المختار وأوذي في سبيله عليه الصلاة والسلام…إنه تخلّقٌ بأخلاقه واعتزاز باتّباعه…إنه دفاعٌ عن سنة الحبيب ونهجه…
حبُّ المصطفى ليس كلماتٍ باردة تُقال…ولا مشاعر جامدة تُكنّ.. لكنّه السير على دربه خطوةً خطوة…
اغرورقت عيناي…جادتا بدموع حارة…دموعُ ألمٍ وندمٍ على ما فات…وحرارة عزمٍ ونية للقادم…
قلتُ: جزاكِ الله خيرًا.. جعلنا الله وإياكم منَ السائرينَ على نهج الحبيب… الذابّين عن سنّته… وجعلنا في قرة عين المصطفى صلى الله عليه وسلم.
نهضت فجأةً ثمّ اختفت بين الجموع… كان مجرّد موقفٍ عابر… دفعه سيل الماضي إلى شاطئ الذكريات… فتاة عادية لم أرَها من قبلُ وربّما لن نلتقيَ ثانيةً… لكنّ كلماتها ظلّتْ محفورةً في وِجداني… وحان الوقتُ لأسألكم بدوري: ماذا قدّمتم لدين الله؟!… ماذا عندكم لتلقَواْ به رسول الله؟!…
الكاتبة: تسلم محمد غلام