رائدات

أول برلمانية موريتانية: مازال نضال المرأة لتحقيق مطالبها المشروعة في نظري ناقصا

أول برلمانية موريتانية : المرحومة مريم سيد المختار
إسهاما في إظهار مكانة المرأة الموريتانية وابراز دورها في تنمية المجتمع اجرت مجلة الموريتانية مقابلات مع نساء رائدات اقتحمن الأبواب الموصدة وقدمن المستحيل في سبيل حضور المرأة في دوائر القرار و مراكز التأثير.  
في ذلك الإطار أجرت مجلة الموريتانية عدة مقابلات ينوي الموقع إعادة نشرها٬ نبدأها بلقاء مع أول امرأة تدخل البرلمان: المرحمومة مريم سيدي المختار تغمدها الله برحمته.

 شهدت البلاد إبان الاستقلال حركة نخبوية هدفها الأول والأساس بناء هذه الربوع وتحقيق الدولة الحرة المستقلة٬  فكان من بين من ساير تلك الحركة نساء سعين وبكل جهد لتقديم كل ما في استطاعتهن في سبيل بناء هذا الوطن الحبيب.. وفي ظل معارضة المجتمع للمدارس عامة و تمدرس النساء خاصة وعملهن٬  خرجت السيدة مريم منت سيد المختار لتجمع بين التدريس والعمل وتسيير بيتها على أحسن وجه٬ فناضلت من أجل الوطن والمرأة وتوعية المجتمع بضرورة إشراك المرأة في الدراسة والحياة فمثلتها في المحافل الدولية٬ وطرحت مشاكلها لتجد لها الحلول وتنتزع الحقوق٬ مجلة “الموريتانية” التقت السيدة مريم وأجرت معها الحوار التالي:  

 

الموريتانية: بوصفك إحدى النساء اللواتي شاركن في بناء الدولة الموريتانية تفضلى بتشريفنا بإعطاء نبذة عن حياتك؟

 

السيدة مريم سيد المختار:  أنا من مواليد 1939م درست في أبي تلميت بوصفها أول مدينة تحوي مدرسة للبنات مع أن البنات كن محرومات من الدراسة في المدارس بل إن الأولاد أيضا محرومون منها٬ وبتوجيه من زعيم القبيلة عبد الرحمن ولد سيديا دخلت المدرسة٬ حيث طلب من كل فئة من المجتمع أن تعطيه 4 بنات ليدخلهن المدرسة وكنت من ضمنهن.

ورغم صغر سني نجحت في شهادة الدروس الإعدادية٬ ثم دخلت المدرسة المهنية٬ الموجودة في أبي تلميت٬ ثم حولت هذه المدرسة إلى روصو حيث أخذت شهادة الدروس الإعدادية في روصو٬ ورغم أني وجهت إلى أول رياضي إلا أني لم استطع أن أواصل دراستي لأنه لا توجد ثانوية في الوطن مما جعلني أعود إلى أبي تلميت بعد سنة من التكوين, وبدأت التدريس  في المدرسة التي كنت أدرس فيها ثم عينت مديرة لها  لفترة قصيرة, و في هذه الأثناء أنشئ حزب الشعب فعملت فيه وانتخبت 1964 لتولي مسؤولية تكوين النساء وتمدرس البنات وبعد انتقالي إلي انواكشوط أصبحت مسئولة القسم الداخلي ثم مراقبة عامة ثم عينت مديرة لصوناكوا ثم أحلت إلى شركة النسيج حيث استقلت منها 1979 قبل الانقلاب على الرئيس المختار ولد داداه بقليل لأرجع مراقبة عامة 11سنة قبل تقاعدي1990م٬ مدرسة البنات٬ ثم إعدادية البنين٬ وأخيرا في إعدادية البنات٬ وقد شغلت عدة مناصب في حزب الشعب حيث كنت كاتبة عامة في أبي تلميت ثم كاتبة عامة للقسم وكنت أول رئيسة لاتحادية النساء كما كنت أول امرأة برلمانية في البرلمان الموريتاني.        

مثلت المرأة في عدة محافل دولية حيث كان الحزب يبعثني حين يتعلق الأمر بالنساء وكذلك نقابة العمال فكان أول سفر لي إلى تونس ثم فرنسا ولم تبقى لي من الدول العربية إلا البحرين كما جبت أغلب الدول الإفريقية والغربية كله لتمثيل المرأة في الملتقيات الدولية.

 

الموريتانية: ماذا عن حضور المرأة في السياسة في تأسيس الدولة ؟

السيدة مريم سيد المختار: ركز حزب الشعب على المرأة وراهن على مشاركتها لكن المشكلة كانت في عدم تعلم المرأة فبادر إلى وضع خطط لزيادة نسبة النساء المتمدرسات فقرر المبادرة إلى توعية المجتمع بضرورة تمدرس البنات حيث قام بار سال بعثات إلى الداخل وقد كانت من ضمن هذه البعثات لنشر الوعي وفي المجتمع وتوعية المرأة بضرورة العمل وتوضيح أن المرأة يمكنها العمل في جميع المجالات وكذلك التأكيد للأسرة أن البنت يمكن أن تدرس بدون أي مشكلة وفي ظروف ملائمة ومشابهة لتلك التي تجدها داخل الأسرة حيث أن للمرأة دور فعال في المجتمع يفوق دور الرجل فالمرأة بكونها هي مربية الأجيال فتوعيتها وتعليمها ينعكس إيجابا على المجتمع وفي هذا الإطار سعيت أنا ومن معي إلى تحويل مدرسة البنات (C.C) التي كانت تعمل في البداية على التكوين في بعض المجالات مثل الطباعة إلى إعدادية للبنات وفي البداية لم تلتحق بنا من ولايات الداخل إلا 12 بنتا ولم نتفاجأ بذلك بل اعتبرناه بشارة خير وكنت أنا المراقبة في القسم الداخلي لأشرف على البنات بصفة مباشرة  ثم المراقبة العامة بعد ذلك.

ولم تكتمل سنتين حتى بلغ العدد 160 وبذلك انتقلت من الإعدادية إلى ثانوية وقد واجهتنا مشكلة نقص الطاقم التدريسي وبالتالي أبقينا الروابع و الخوامس فيها ونقلنا السوادس إلى الثانوية الوطنية وأول باكلوريا شاركت فيها بنات كانت 1973 وهما اثنتين فقط خدي منت شيخنا وباديا با وحصلتا علي الشهادة وتكونتا في مجال التعليم حيث كانت المدرسة العليا للأساتذة آنذاك قد فتحت, وواصلنا في تخريج دفعات البنات في شتى المجالات ولم أغادر المؤسسة حتى سافر بعضهن لدراسة الطب في دكار وبعضهن إلى المغرب لدراسة الاقتصاد وشاهدنا ثمرة جهودنا فابتهجنا بذلك ولا زلت حتى الآن افرح عند ما اسمع الدكتورة فلانة وأنا جد فرحانة لكوني أجري مقابلة مع مجلة نسائية وأؤكد هنا أهمية الإعلام وأهمية الدور الذي تلعبه المرأة الإعلامية. ”

 الموريتانية: كيف وفقت بين متطلبات العمل السياسي ودور المرأة في الأسرة؟       

 السيدة مريم سيد المختار: الأسرة لابد أن تكون مبنية على التفاهم حيث يكون الرجل واعيا لضرورة عمل المرأة وعلى المرأة أن تقوم بواجباتها المنزلية وعدم الخروج من المنزل إلا للضرورة وقد استطعت أن امحي من أذهان من حولي المثل السائد آنذاك ” المرأة من بيتها إلى قبرها ” وبالتأكيد لا يتسنى الجمع بين البيت والعمل إلا بتنظيم الوقت , وأري أن الرجل الموريتاني بطبعه ليس صعبا إذا فهم الظروف ووافق عليها.

 الموريتانية: ما أهم العقبات التي واجهتكن؟ 

 السيدة مريم سيد المختار: موقف المجتمع من المرأة وخروجها وعملها كان من أشد العقبات حيث لاقينا الكثير من المضايقات والانتقادات من الناس وأصبحوا يحذرون منى النساء اللواتي اتصل بهن وحتى إنهم مارسوا علي بعض الضغوط فاتصلوا بالوالد وشكوني وأمروه بمنعي حيث اعتبروني افسد بناتهم حدث هذا عندما أردت أن احتفل بعيد الاستقلال في أبي تلميت أنا ومجموعة من النساء فاقترحت عليهم أن نلبس البياض ذهبنا إلي مقر الحاكم حيث يقام الحفل فكانوا يقولون “ألا كفنتهم أجابتهم نعوذ بالله” , واذكر هنا أن المجتمع في البداية لم يفهم معنى الاستقلال بل إن بعض شرائح المجتمع رفضه واعتبره نكسة للتجار مثلا حيث تصوروا انه بذهاب المستعمر لن يجدوا البضائع لكنا سعينا في توعية الجميع بمعنى الاستقلال والحرية وأكدنا للتجار أننا سنوفر البضائع التي تنقصهم وبعد فترة استطعنا أن نؤكد ما قلنا ونقنع الجميع. وأذكر من الضغوطات التي كنا نتعرض لها رمينا بالحجارة من طرف الأطفال الذين كان الكبار يرسلونهم لفعل ذلك حين نكون مجتمعين فكل الاجتماعات كانت في الفضاء الرحب

وقد واصلت اتصالاتي بالجميع خاصة النساء رغم هذه العقبات ورغم استمرار الضغوط حتى بعد وصولي إلى انواكشوط  وتقلدي منصب رئيسة اتحادية حزب الشعب وفيما بعد منصب كاتبة عامة لقسم في حزب الشعب كذلك, حتى أن بعض الأئمة اعتبرني خارجة عن القيم الدينية مما اضطرني لإجراء حوار مع بعضهم وإقناعهم بان المرأة العاملة المتعلمة أكثر حصانة من غير المتعلمة حيث تكون واعية وكذلك لها دخل يغنيها عن اللجوء للطرق غير الشرعية للحصول على المال. وأذكر أن المرحوم محمد سالم ولد عدود كان حاضرا لحوار الأئمة وأطلعهم على حقيقة ما نقوم  من تعليم البنات وتثقيفهن وانه لا ينافي مبادئ الشريعة الإسلامية وأؤكد أننا كنا حريصات على إلقاء محاضرات دينية للنساء في جميع اللقاءات.

 الموريتانية: ما هو تقويمك لمشاركة المرأة في الحياة السياسية اليوم وما سبل تطويرها؟

 السيدة مريم سيد المختار: لقد حظيت المرأة بالكثير وحصلت على نسبة 20% في البرلمان كما أن النساء شغلن مناصب سياسية مهمة فأصبحن وزيرات كما شغلن مناصب إدارية مختلفة لكني كنت أود أن تكون المرأة هي من كافح وناضل من أجل الحصول على هذه النسب وهذه المكانة حيث أني لا أحب أن تكون المرأة مكتوفة الأيدي حتى تعطي نسبة أو منصب لأنها إذا كافحت وناضلت تستحق لا محالة نسبا أعلى من التي أعطيت لها, فلاتزالت في اعتقادي تتحرى من يعطيها فلو أنها واصلت النضال على الروتين السابق كانت الآن هي من يعطي ولا تنتظر من يعطيها كما إني ألاحظ أن النساء لم يحققن أي مطالب تتعلق بهن فمثلا المرأة العاملة لم تحصل على حق التوريث فإذا ماتت لا يجد أبناؤها تعويضا بعكس الرجل وهو من بين المطالب التي كنا نطالب بها في زمننا لكن نظرا لقلة النساء العاملات في تلك الفترة لم نتمكن من تحقيقها.

كما أرى أن على المرأة أن تحرص على وجود رياض الأطفال في كل حي حتى تكون كل مدرسة بجانبها روضة أطفال لان ذلك يساهم بشكل كبير في تحرير المرأة ونقص الأعباء مما يساعدها على التعليم والعمل وان تكون هذه الرياض غير خاصة بالأحياء الراقية بل توجد في الأحياء الفقيرة كذلك, كما انصح المرأة بإقناع الرجل بمشاركتها في أعباء البيت وتعمل على تعليمه كل الإعمال المنزلية بما فيها تربية الأطفال حتى يمكنه أن يخلفها عند الضرورة وقد استطعت أن اقنع بعض النساء بهذه القضية فطبقنها في بيوتهن وكن نساء ناجحات.

واعترض على مسالة استخدام عمال في البيت لأنه من الناحية الاقتصادية مكلف وكذلك غير آمن من ناحية أخرى خاصة أن الكثير من العمال أجانب واعتبر أن قدرة المرأة على سد هذه الثغرات والاستغناء عن الآخرين نوع من المقاومة واعتبر أنه أمر بسيط جدا إذا وجد من يصبر على تطبيقه.

لاحظت كذلك عدم ووجود تكتلات نسائية لها علاقة بالاتحادات النسائية العالمية فمن المطلوب أن يكون النساء أكثر انفتاحا على الخارج سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي فان ذلك يفتح أمامهن الكثير من الآفاق كما انه على النساء كذلك تنظيم أيام تشاورية على مستوى الوطن لمعرفة النواقص والمشاكل ومحاولة حلها بشكل جماعي.

وعموما أرى أن على المرأة الموريتانية أن تكون أكثر نشاطا وإنتاجا وحيوية كما كانت فلا زلت استقل نضال المرأة لتحقيق مطالبها المشروعة.

 الموريتانية: ماذا تعني لك المفردات التالية: السياسة؛ الأسرة؛ الحرية؛ الاستقلال؟

 السيدة مريم سيد المختار: الأسرة: كيان مرتكز على فردين متفقين – السياسة: عميقة وهي مدرسة الحياة – الحرية: أرى أنها مقيدة في مجتمعنا وعموما يجب ألا تخرج عن نطاق الشرع – الاستقلال: كلمة كبيرة ولها ثمن.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى