آخر الأخبارارتق بروحك

حول السقيفة

الباحثة: مريم اتليميدي

مصيبة ما بعدها مصيبة إلى يوم القيامة٬ تلك التي ألمت بالمسلمين٬ بفقدان الحبيب صلى الله عليه وسلم٬ – بأبي هو وأمي- “فقد انقطع الوحي وماتت النبوة[1].

إلا أن عظم المصيبة٬ وهول الموقف٬ وفجاعة الحادثة٬ لم يمنع الذين “تبوأوا الدار والإيمان” من استشعار الموقف٬ فراغ في السلطة٬ وتحديات جسام٬ تواجه الدولة الإسلامية حديثة النشأة٬ ضرورة مواصلة الخطوات٬ والمحافظة على المكتسبات والإحساس بالتحديات٬ ماذا لو عاد المهاجرون إلى موطنهم الأصلي؟ ماذا لو أجهز الأعداء على المدينة؟ وقضوا على بيضة الإسلام وكيانه٬ من يعطي الأوامر؟ من يجهز الجيوش؟ ماذا لو رجع الأعراب عن دينهم؟٬ وهم الذين أسلموا ولما  يؤمنوا ؟

خصوصا وأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يعين أحدا للخلافة٬ وإنما أمر أبابكر أن يؤم الناس للصلاة “مروا أبابكر أن يصلي بالناس[2]

كل هذا وذاك دفعهم رضوان الله عليهم إلى اجتماع عاجل لاختيار الخليفة٬ وكان ذلك في” سقيفة بني ساعدة “.

وهكذا بادر المهاجرون رضوان الله عليهم بالالتحاق بإخوتهم فور ما علموا٬ تجسيدا للأخوة٬ وتوحيدا للجبهة الداخلية٬ وتضييقا للخلافات٬ واجتماعا على المصالح العامة للأمة٬ فتعزز اجتماع السقيفة بثلاثة من المبشرين بالجنة.

وبعد حوار طويل بأسلوب رصين ومتطور أظهر حنكة سياسية مع حسن أدب الخلاف٬ آل الأمر إلى مبايعة الصديق “ثاني اثنين إذ هما في الغار” وهكذا رضوا لدنياهم من رضيه النبي صلي الله عليه وسلم لدينهم رضي الله عنهم وارضاهم.

ولسنا هنا بصدد سرد الوقائع التاريخية٬ التي تزخر بها كتب السير والتاريخ٬ بقدر ما نريد تسجيل بعض النقاط:

أولا: تكمن أهمية أحداث السقيفة في أنها كانت مرحلة حاسمة في تاريخ الدولة الإسلامية٬ ونقطة تحول مهمة فاصلة بين العهدين النبوي و الراشدي٬ ونواة ظهور الفرق الكلامية.

ثانيا: تكوين الفرد وتربيته من أهم الأوليات في بناء الأمم والشعوب٬ وهو الحجر الأساس في تكوين الصرح المأمول٬ وهو ما نلحظه في تربية حبيبنا صلي الله عليه وسلم لأصحابه٬ تلك التربية المتوازنة٬ كان   ـ بأبي هو وأمي ـ قدوة في جميع أحواله٬ يأخذ بيد الصغير والكبير٬ رحيما٬ ناصحا٬ يعلم ويوجه ويبين٬ كانت حياته منهجا عظيما تربى فيها جيل لن يتكرر في عصر من العصور.

وكان من ثمار تلك التربية النبوية٬ جيل يقظ يعي مصالح الأمة٬ بل ويجعلها من أولى اهتماماته٬ وهو ما ينبغي أن يكون أسوة وقدوة لنا حكاما ومحكومين.

ثالثا: أهمية الحزن الإيجابي٬ وخطورة عكسه٬ ومع أن الفراغ معنوي٬ وروحي٬ فقد زادهم إيمانا مع إيمانهم٬ وصبرا على صبرهم٬ ورضى بقضاء الله وقدره٬ وإقبالا على ربهم٬ ومسارعة في إكمال الطريق٬ برسم الخطط٬ والتطلع للمستقبل مخلصين ثابتين٬ على المحجة البيضاء٬ ناظرين في المآلات بعيدين كل البعد عن المصالح الآنية الدنيوية الضيقة٬ فرضي الله عنهم و أرضاهم.

رابعا: صحة الفهم وسلامة القصد٬ وهي من النعم التي ينعم بها الله على عباده “أخطر ما يصيب الإنسان أن تلتبس عليه الأمور٬ فيري الباطل حقا٬ والحق باطلا٬ والمعروف منكرا٬ والمنكر معروفا٬ والسنة بدعة٬ والبدعة سنة٬ وأن يزين له سوء عمله[3]

خامسا: أهمية المبادرات الإيجابية٬ وترتيب الأوليات٬ والنظر في المآلات يقول الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين “ترك الترتيب بين الخيرات من جملة الأشرار[4].

وهكذا أدركوا وتداركوا الموقف فرضي الله عنهم وأرضاهم.

سادسا: تمخضت البيعة عن اعلان الحكم الرشيد وتأسيس معالم “الحاكم المسلم” و “الحاكم القدوة” التواضع والتفاني في خدمة الرعية٬ والعدل والرحمة “إن أحسنت فأعينوني٬ وإن أسأت فقوموني[5]٬ وكذا حق الأمة في محاسبة الحاكم المسلم وكل فرد من أفراد الأمة ينصح الحاكم و يقومه “الدين النصيحة[6]

تلك نماذج من القيادة الرشيدة لتـأسيس دولة مدنية تقوم على الشورى والعدل.

 وكان لهذا التأسيس دور أساسي في قوة شوكة المسلمين٬ وازدهار حضارتهم٬ ومرجعية أساسية في أمور الحكم والسياسة٬ بل إنه حجة في اختيار الحاكم.

سابعا: ان الإسلام الذي صنع الصحابة وأهل التأسيس٬ لايزال ينجب٬ ويصنع المجددين الغيورين على مصالح الأمة٬ ويجعل من المتقدمين أسوة وقدوة للمتأخرين.   

فلا غرابة أن تقوم جماعة من المسلمين تحمل على كاهلها إعادة لواء الإسلام٬ وراية التوحيد٬ واستعادة المجد التليد٬ بإعداد تصور جديد  يعيد ما اندرس من المفاهيم٬ ويخلق وعيا في الأمة٬ يوصل إلى فهم موحد٬ وموقف ثابت٬ لا حيرة فيه٬ ولا تردد من أمور الحكم و السياسة٬ وأن من يدعوا إلى السياسة لا يدعوا إلى منكر من القول وزور٬ وما لم نتوصل الي ذلك٬ فسيكون التأخر حتما مقضيا٬ ونكون قد سلكنا سبيل التولي يوم الزحف.

الباحثة: مريم اتليميدي

 

[1]تفسير القرطبي <176 |02

[2]  أخرجه البخاري 713 و مسلم 418

[3] د يوسف القرضاوي شمول الإسلام ص ١٨

[4] الإمام الغزالي إحياء علوم الدين “3 |1”

[5]البداية والنهاية < 6| 305 >

[6] مسلم كتاب الإيمان رقم 55

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى