العيد..
يختلف استقبال العيد وطقوسه من مجتمع لآخر سنمر بشكل سريع على الأجواء العامة (مجتمعنا نموذجا)
على قارعة الطريق هناك بائع حلوى بجواره بائع بالونات يتكرر هذا الترتيب وينسجم مع أصوات وضحكات الأطفال، الممزوجة بأصوات بمختلف اللهجات يقطعها صوت وقور يبارك ويردد عيد مبارك سعيد وكل عام وأنتم بخير، كأنه يقرؤها من لوحات متناثرة في كل مكان تلتقطها عينك الواحدة تلو الأخرى كانتقاء ذلك الحمام لما تقدمه المارة الذين تعود المشي في زحمتهم..
على ذات الطريق انتشر الورد ورائحة العطور.. مشكلة للناظر لوحة سلام في قمة الروعة والبيان..
في الطريق المقابل كان اليومُ عيدا لأن التأريخ نفسه، لكن تختلف الصورة قليلا حيث تسمع أصوات بنادق ورشاشات..
أشلاء أطفال تذكرك بالبالونات التي رأيت في الطريق المقابل.. ركام بيوت زكام وأتربة على بعض الوجوه.. نساء ترى الدموع في عيونهم محبوسة، ضحكات بريئة، وأصوات طابعها الجد كلمات (شهيد، سجن، قذائف..) ونظرات ثاقبة..
ثم تتفكر كيف للعيد أن يكون بهذه الرحمة ثم بهذه القساوة
بل كيف تميز أنت أن تلك رحمة وهذه قساوة؟
هل يمكن أن يكون العكس.؟
ألا يحلم هؤلاء الأطفال بحلوى باللون الأبيض والوردي والسماوي؟
ألا يُمنع لهم النوم فرحة بالعيد كما هو حالنا ونحن صغار.؟
تطرق قليلا ثم تتمتم
أيها العيد أيمكنك أن تمر بسلام من دون أن تجرح هذه القلوب؟
لكن كيف لك أن تتصور القساوة في الحروب وحدها؟
أليس فساد المجتمعات أكثر فتكا من الأسلحة؟
حين تقارن دولة أنهكتها الحروب بأخرى يسودها الفساد والتخلف لن تجد الفرق كبيرا.
إذا كانت تلك تبدو الناظر أنها مدمرة فهذه دمرها التخلف الفكري لدى النخبة والجهل لدى العامة وفساد السلطة فاستقبال قلب الدولة لعدو واحد ليس كالسوس الذي ينخر في كل عظم من جسدها الضعيف..
وهنا في أحد الأزقة تلك الدولة الضعيفة كثيرا ما تتردد بأصوات مريحة “الله أكبر كبيرا والحمد لله كثيرا وسبحان الله بكرة وأصيلا”، رائحة الملابس الجديدة العطور والشواء التماس الدعاء والسماح وطلب هدية العيد على وجه المزاح..
الظاهر أجواء عيدٍ لكن تفاصيله حين نفتشها قد تكون صادمة
فنحن مجتمع نقبع في وحول العادات والتقاليد
ترتفع نسبة الطلاق في مجتمعنا لثقل التكاليف..
قد يكون سبب الطلاق أن أهل الزوجة لم يحصلوا على ما كان متاحا كل عيد، أو أن قناع الزوجة سقط أمام أهل زوجها فهي لم تكن ثرية كما بدا عند أول زيارة.
وهل هذا منقطي؟
هل يمكن إن يكون هذا سبب لفساد أسرة، السبب تافه جدا والحقيقة إي وربي إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون.
نسوة في المدينة يعددن من قدم إليهن هدايا ويقيمنها فهن متقنات لفني المدح والذم..
ومن بيننا من لم يسلّموا لقدر الرزق والمال.. فروا من قدرهم إليه في أسوء ثوب..
رغم أنه (يعيش معنا) أثرياء يعيشون العيد ببساطة لو استعارتها طبقاتنا الوسطى وما تحتها لكانوا في نعيم..
لم نفهم بعد أن العيد للراحة والبهجة والسرور..
للتسامح والتصافح وصفاء القلوب.. ثم هو فرصة لمعرفة أحوال ومستويات الأهل والأقارب والمعارف والجيران..
نحن إن فهمنا هذا الفهم خفت الضغوط والعراقيل التي تواجهنا.
المشكلة ليست في العيد بل لنظرتنا له، فينقلب من لوحته الفنية البديعة التي لا يراها سوى الصغار إلى سلسلة من الهموم يصعب حلها على طول سنة كدحية، حتى إذا عاد موسم السعادة عاد الحزن والهم والكآبة..
ارحمونا يرحمكم الله، ألا يحق لهذا الشخص الذي أغرقته الديون أن يشاركنا الفرح ولو مرة؟
أما آن لنا أن ننتقل من مرحلة الصفر هذه.؟
نريد أن ندخل السرور على قلوب أناس خارج الدائرة وهذا يعني أن نخطط حتى نتمكن من اسعاد أنفسنا أولا بالرضا بما نملك وألا نتأثر بمن هم أقدر منا وهذا ليس دعوة لضعف الهمة، إذ الهمة تحتاج صبرا وعزيمة وتطبيق القاعدة (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى).
العيد رمز للسعادة وتلك تكمن في غض الطرف عن كلما لا نستطيع الوصول إليه في الوقت الراهن وإن كنا في طريق الوصول إليه.
ولو أن ما نقدمه _ من أجل العادات والتقاليد والمظاهر الفساد والمباهاة والتبذير _ جعلناه على شكل صندوق داخلي نعين به الفقير والمحتاج وهذا أيضا ليس دعوة لعدم التهادي الذي هو سبيل الحب، لكن بلغنا مرحلة من البذخ والمبالغة في الهدايا صارت كأنها مقايضة ويكثر هذا في صفوف الأصدقاء، يجب أن نعرف أن التوازن نموذج حياة وفي أمثلتنا “ما يموت لعجل ولا تيبس التاديت” وهنا نكون ضربنا في كل جانب بسهم فلا نحن أهملنا الفقراء والمحتاجين ولا نحن فرطنا في أحبابنا وأصدقائنا..
عموما نتذكر ونحن نستقبل العيد أن هناك من يعيشه بسلام وهناك من يعيشه تحت وطأة الحروب والمجاعات وكلها مدعاة للمراجعة والتفكر والتدبر، إذ لا مجال للعيش بقلوب وألسنة الآخرين، بل كل منا ينبغي له عيش الحقائق بدل التغاضي عنها..
يوقيت محمد المختار