البيت المسلم..
البيتُ لَبِنَةٌ أولى من لبِنَات المجتمع المسلم، الذي ينشده الإسلام، وهو المضغة التي إذا صلحت صلح المجتمع كله، لأن المجتمعات إنما هي بيوتات مجتمعة، من أجل ذلك اعتنى الإسلام بالبيت، وجعل له هدفا أسمى، ووظيفة عظمى، ومهمة كبرى، هي: الحفاظ على الإيمان والمحافظة على كل خلُق شريف ومسلك قويم، وذلك من خلال إنشاء جيل من البنين والبنات، يرضى بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا، وينشأُ ناشئه على الإيمان القويّ، والخُلُق المرضيّ، والقلب الذكي، والعزم الفتي، والأنف الحمي، والهمة العالية، والنفس الزاكية، والعقول الراشدة، والبصائر المستنيرة بنور العلم والإيمان..
والأبوان هما المسؤول الأول عن إنشاء هذا الجيل، وتشييد هذا البيت، فهما شركاء في وظيفة إعداده. فعلى المرأة حِمْل ثقيل ونصيب كبير من تلك الوظيفة التربوية، وقد جعلها الله أكثر حنانا، وألين فؤادا، وأرقّ شعورا، وأصدق عاطفة، وأشدّ محبة للأبناء من الرجل، وتلك صفات أساسية تحتاج إليها التربية، فالأمُّ بذلك وبغيره هي الربّة الأولى المُربية للأجيال في المجتمع..
ولكن ذلك لا يُعفي الآباء من المسؤولية في التربية، لأنهم الركن الركين، والحصن الحصين، والمسؤول الأول، والفاعل الأقوى في البيوت، بما جعل الله لهم من قوامة، وما جعل لهم من سلطان، وبما أنفقوا من أموالهم..
وهذه المسؤولية المشتركة في إعداد البيوت، وفي تربية الأجيال، تقتضي من طرفي البيت أن يُحسنا في البداية، فيختار كل منهما صاحبه على أساس الدين والخلق والإيمان والتقوى، فعلى الآباء أن ينتقوا الأمهات من بيوت متدينة معروفة بالتقوى، فإن ذلك أدنى إلى ارتقاب ثمرة طيبة ونبتة حسنة، وصدق الله العظيم إذ يقول “والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا”. وما نشاهده من ضياع للأبناء، وفساد في التربية، ونقص في التعليم، وتفريط في حقوق الأبناء على الآباء.. سببه الأساسي سوء الاختيار ابتداء، الذي يؤدي إلى سوء العلاقة بين الأبوين انتهاء، وتلك تجرُّ في الغالب إلى هدم البيوت، وتفرُّق الأزواج، وكثرة الطلاق، والتضحية بالأبناء، اتباعا لهوى النفوس، وإرضاء لنزواتها وشهواتها، وتنفيسا لرغباتها وملذّاتها..
وقد أدّى ذلك إلى ذرية بعد ذرية، تكون في الغالب عَلَفا للانحراف، وهشيما لمدافع السكر والعهر، وصيدا سمينا، وكنزا ثمينا لعصابات المخدرات والشهوات من المجرمين المنحرفين، الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون..
إن صلاح البيوت بصلاح أبنائها، وصلاح أبنائها بصلاح آبائها، وصلاح آبائها يحتاج إلى بداية مشرقة، وانطلاقة حسنة، واختيار موفق، وإحساس دائم بالمسؤولية، ومراقبة مستمرة للأبناء، بحيث يكونون الهَمَّ الأهَمّ للأبوين، وذلك لا يتحقق إلا ببذل الأوقات والطاقات، وبالاطلاع الواسع الشامل على حال الأبناء، بحيث يعرف آباؤهم مَن يجالسون ويجانسون، ومع مَن يتكلمون ويصحبون، وبمَن يهتدون ويقتدون..
ووسيلة ذلك هي الإصرار والاستمرار، والبحث الدائم عن البيئات الصالحة، والقدوات الحسنة، وقبل ذلك وبعده باللجوء إلى الله، والضراعة إليه بالدعاء في السر والعلن وفي الليل والنهار بأن يصلح الذرية، ويجعل للمرء من زوجه وذريته قرة عين، فهو وحده الذي يهدي من يشاء، ويضل من يشاء، ويصلح مَن يشاء بما يشاء، بيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله، والقلوب بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف شاء.
الكاتب: سيدي محمد ولد أيده.