آراء

إلا تنصروه..

هكذا تبادر إلى خاطري  وأنا أحاول أن أستقرئ أحد معاني قوله تعالى ((إلا تنصروه فقد نصره الله))  لعلي ابلغ فيها أدنى معاني النصرة ، فقد يبلغ الضالع شأو الضيلع  ويعد في جملة العقلاء المتعاقل الرقيع، فأردت أن أسلك طريق من رضي الله عنهم وأرضاهم في نصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم على أني :

أسير خلف ركاب النجب ذا عرج         مؤملا جبر ما لاقيت من عـــوج

فإن لحقت بهم من بعد ما قنطـوا         فكم لرب الناس في ذاك من فرج

وإن ضللت بقفر الأرض منقطعـا         فما على عرج في ذاك من حرج

مع أنه يتبادر إلى ذهني وأنا ألملم شتات نفسي لأوجه وجهي شطري طيبة الحبيبة في هذه الأيام المباركات  لزيارة الحبيب وتلمس آثاره وآثار صحابته في تلك البقعة الطاهرة قول القائل :

أأحبابنا أعاد الله مــــــــــــني              ومنكم بعد فرقتنــــــــا التلاقي

إلى أرض الحجاز أحلت عنكم             صفيحة وجه وجدي واشتياقي

سلوت أحبتي واشتاق قلــــبي            بتلك الأرض نجل الحـــــــــداق

ولأردد مع الشيخ الصالح عبد الله بن لمرابط سيد محمود رحمه الله  :

يا سيد الناس ابن عبد المطلب             وخير مدعو وخــــير منتدب


إليك جبنا كل غور وحـــــــدب            وكل هول يشـــتكى ويرتهب

وليس يا نبينا ليـــــــس الأرب            منا لديك فضة ولا ذهـــــــب

وإنما أربنا كشف الحجــــــــب              وحفظ الإيمان لنا من السلب

وإن كان في القول نزعت صوفية لا تخلو من لوثة أشعرية قد لا يمتدحها مادح؟ لكن الموقف يثير في النفس ما أثاره لدى الشاعر الماجن أبى نواس حين قال ملبيا :

لبيك قـد لبيتُ لــــــــــــــــــــكْ              لبيك إن الحمـــــــــــــــــد لكْ

والملكُ لا شريك لــــــــــــــــكْ            ما خــــاب عبدٌ ســـــــــــــألكْ

أنت له حيـــــــــــــــث سلــــكْ             لولا ك يــــــاربي هــــــــــلكْ

ياخاطــــــــــــــئاً ما أغفـــــــك            اعمــــــــــل وبادر أجــــــــلكْ

واختـــــــم بخــــــيرٍ عملــــــكْ            لبـــ،ـــيك قـد لبيــــــتُ لــــــكْ

لبيـــــــــك إن الحمـــــــد لـــــكْ           والمـــلكُ لا شريــــــك لـــــكْ

ففي هذه الدار – اعني المدينة – تجسدت اسمى معاني النصرة فكانت بحق دار النصرة، سمي بها الأنصار فكانوا بحق أنصار الله ورسوله، واسمع معي إلى هذا الحوار الذي يأخذ اللب ويسكن الجنان وهو درس نتعلمه في عتاب الأحبة بلا تعنيف ولا تفنيد .

فحينما وجد الأنصار في أنفسهم شيئا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في لعاعة من الدنيا كان يتألف بها قوما على الإسلام ووكل الأنصار على إسلامهم، جمعهم فقال : (يا معشر الأنصار ألم يمن الله عليكم بالإيمان وخصكم بالكرامة وسماكم بأحسن الأسماء: أنصار الله وأنصار رسوله ؟ ولولا الهجرة لكنت امرؤ أنصاريا ولو سلك الناس واديا وسلكتم واديا لسلكت واديكم، أو لا ترضون أن يذهب الناس بالشاء والنعم وتذهبون برسول الله صلى الله عليه وسلم) ؟ قالوا: قد رضينا.قال: (أجيبوني فيما قلت).قالت الأنصار: يا رسول الله وجدتنا في ظلمة فأخرجنا الله بك، ووجدتنا على شفا حفرة من النار فأيدنا الله بك، ووجدتنا ضلالا فهدانا الله بك، فرضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا فاصنع يا رسول الله ما شئت فأوسع الحل.فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أجبتموني بغير هذا القول لقلت صدقتم، لو قلتم: ألم تأتنا طريدا فآويناك، ومكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، قبلنا مارد الناس عليك ؟ لو قلتم هذا لصدقتم).فقالت الأنصار: (بل الله ذو الفضل علينا وعلى غيرنا).ثم بكوا فكثر بكاؤهم وبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم معهم. كما رواه الطبراني في الكبير، وقد روى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام.  فهم الشعار وغيرهم الدثار.

والأنصار اسم اختاره الله لأنصار دينه فقد سأل غيلان بن جرير أنس بن مالك عن هذا الاسم الأنصار فقال : أنتم سميتموه أنفسكم أو الله تعالى سماكم من السماء‏؟‏ قال‏:‏ الله تعالى سمانا من السماء‏.‏ فقد استحقوا هذا الاسم بما بذلوه من تضحية وبذل وعطاء وإيثار على الأنفس ومنافحة عن عرض النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حسان بن ثابت يقول :

هجوتَ محمدا فأجبتُ عنه *** وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفءٍ *** فشركما لخيركما الفداء
هجوت مباركا برّا حنيفا *** رسول الله شيمته الوفاء
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاء

وهذه الخصال هي التي عبر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ألم تأتنا طريدا فآويناك، ومكذبا فصدقناك، ومخذولا فنصرناك، قبلنا مارد الناس عليك ؟. فدعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعاء تسير به الركبان وتلهث به الألسن إلى قيام الساعة : اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.

فهذه خطاهم وهذه آثارهم ذكرت منها مثالين لا للحصر بل للتذكير، لعلنا أن نقتدي بها في نصرة الحبيب صلى الله عليه وسلم :

إذا أعجبتك خصال امـــــــــــــــرئ *** فكنه يكن ما يعجــــــــــــــبك
فليس على الجود والمكرمــــــــات *** إذا جئتها حاجب يمنعــــــــك

اسلامة العابد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى