آراء

صور مشرقة من تاريخ النساء

لقد كان ظهور الإسلام يمثّل ثورة في حياة المرأة حيث انتقلت من كونها متاعا أو زينة تتحلى بها حياة الرجال إلى مزاملة الرجل في تأسيس الدين وبناء الدولة، في ميدان الجهاد والمشورة و البذل والتضحية، ومنذ البدايات كانت الرسالة الاسلامية واضحة، فإن كان أبو بكر سفير الرجال في دور البطولة حين انبثاق نور الاسلام فإن خديجة كانت سفيرة النساء وممثلتهم، وبسبقها سبقت المرأة الرجل، في الاقبال واحتضان الدعوة وفي المشورة و البذل..
هذه هي الصفحة الأولى من الاسلام تتواجد فيها تلك المرأة..التاجرة العفيفة و الزوجة الحكيمة و الأم العطوف والمسلمة القوية..
ولم يلمح القرآن الكريم ولا السنة على وجود مشكلة خاصة للمرأة والرجل، ولم تدون الدواوين و لم يرصد الراصدون أي مشاكل تعاني منها المرأة المسلمة في ظل المجتمع المسلم المطبق للأحكام الشرعية بل عاش الجنسان في مناخ هادئ مليء بالاحترام والمودة، إلى أن سقط الشرق تحت هيمنة الرجل الأبيض، و تسربت القيم الغربية نحو الشرق، و طُرحت مشاكل الغرب على موائد العرب ، بل العالم، على أساس أنها مشاكل العالم بأسره.

وفي هذا المقال نرصد صورة المرأة في جوانب عديدة تحت سقف الاسلام:
– الجانب الاجتماعي : برزت صورة المرأة ناصعة في التشريعات الاجتماعية للاسلام ، بعد قرون غابرة من الظلم والحيف، وتكميم أفواه (هنّ)..فكان “لهن” مثل الذي “عليهن” ، وخوطبت انطلاقا من كونها (إنسان).
فهذه إحدى نساء المسلمات تتطلق من زوجها لدمامته، بعد أن بينت حجتها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذه تجادل رسول الله صلى الله عليه سلم ، وهذه تسأله العدل بين زوجاته، وهذه تطالب بحق النساء بجلسة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعلمهن.

– جانب التأسيس والتضحية النسائية:
قليلون من يعرفون رقيقة بنت أبي صيفى بن هاشم ، وقليلون جدا من يعرفون أنها هي من حذرت رسول الله صلى الله عليه وسلم من اجتماع الكفار عليه ليقتلوه في حادثة محاولة قتل رسول الله عليه السلام الشهيرة ، فكانت المرأة مساهمة في إنقاذ القائد الأعظم ، وكانت أيضا مصدقة الأقوال…
و في الحديث عن التضحية لابد من ذكر تضحيات وبذل خديجة ، و صبر و استشهاد سمية، وشجاعة وتضحية أسماء بنت أبي بكر الصديق، و المقام لا يسمح بذكر كل التضحيات.
وأما في الجانب السياسي: ففي بيعة العقبة التي تعتبر النواة التأسيسية للدولة الاسلامية في المدينة المنورة، كانت بصمات النساء جلية ، و نوابهن حاضرات بحزم ويقين ، مثلت النساء في هذه الواقعة العظيمة نسيبة بنت كعب الأنصارية (أم عمارة) و أسماء بنت عمرو بن عدي الانصارية ” (أم منيع) ، فبايعتا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما بايعه الرجال.. والبيعة كانت بيعة سياسية، وليست بيعة دخول الاسلام كما هو المعروف.
وهاجرت النساء في الهجرتين إلى الحبشة، وحضرن مجلس حوار الجماعة مع النجاشي، وكانت بالفعل شقيقة للرجل ، تقف في ذات الصف معه.
ثم خوطبت بنداء الهجرة الى المدينة، وضحت نساء في سبيل ذلك ، ولاقت الأمرّين و كانت قيلة بنت مخرمة التميمية مثالا على ذلك فقد مات زوجها ونزع إخوانها بناتها منها، وكذلك ضربت أم كلثوم بن عقبة بن أبي معيط مثالا في الشجاعة فقد هاجرت بمفردها إلى المدينة وهي فتاة عزباء..
وفي جانب المشورة السياسية: برز ذكاء المرأة في صلح الحديبية، انعدمت الحيل أمام القائد الأعظم في وقت خيبة أمل الجيش الذي صدمه صلح 10 سنوات ثقيلة على المغترب المشتاق،
كان مفتاح الباب عند امرأة، هل أسكتها النبي، هل قال لها ، هذا أمر رجالي بحت..؟ بالطبع لا..
رأي أم سلمة كان مباركا و هلل أسارير رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قام فورا بتطبيقه..

– جانب العلم ورواية الحديث: كان رسول الله عليه الصلاة والسلام يخصص يوما للنساء يعلمهن دينهن، وقد روت عنه كثييرات منهن فعائشة روت أكثر من ألفي حديث عنه ، وقد كانت مرجعا لأحاديث و سيرة رسول الله بعد وفاته ، تعلم الناس الشريعة وتروي الوقائع وتستشار في القضايا ، وجلست في الفتيا زهو نصف قرن، ويكفيها أن قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء) وقد روي عن ابي موسى أنه قال ( ما أشكل علينا أصحاب محمد حديثا قط فسألناه عائشة إلا وجدنا عندها منه علما)
وقد قال الزهري أن علم عائشة لو جمع على علم أمهات المؤمنين و جميع النساء لكان علمها أفضل، و ذكر علمها في الطب..
وقد بلغ عدد الراويات 411 راوية للحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من بينهن 10 هن زوجات رسول الله عليه الصلاة والسلام فأم سلمة روت أكثر من 370 حديث ، وحفصة 60 حديثا ..الخ

– جانب الحرب والجهاد:
كانت غزوة أحد ملحمية للغاية، تراجيدية، بين كر وفر، بدأها المسلمون بالنصر، قبل أن يعيد خالد عليهم الكرة ليفر كثيرون، ويقتل الكثير، و أعين العدو على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلوه، ورسول الله يقاتل، لاشك أن الموقف مثير للغاية، مخيف جدا، ومع ذلك تبرز المرأة بدور القوي لا الضعيف وبشهادة الرسول عليه الصلاة والسلام ذاته، ما التفت يمينا ولا يسارا وإلا وأم عمارة تقاتل دوني قالها وهو مبتسم معجب بإقدامها.
وفي غزوة الخندق كانت رفيدة الأسلمية حاضرة وقد وضع في خيمتها أحد قيادات الجيش سعد بن معاذ رضي الله عنه عندما أصيب بالجراح التي مات بسببها بعد ذلك
وفي بدايات الدعوة الاسلامية، لم تحرز المرأة فضل السبق في الايمان بل كذلك فضل السبق في الشهادة، وفي الوقت الذي استسلم فيه رجال كثيرون، وقالوا كلمة الكفر مكرهين، بقيت سمية بنت خياط صابرة ثابتة حتى استشهدت دون توحيدها ودينها.
وفي بيعة الرضوان كانت المرأة حاضرة ممثلة في نساء من ضمنهن نسيبة و هذه البيعة كانت بيعة على الحرب و القتال.
وقد قاتلت المرأة المسلمة على مر التاريخ الاسلامي بسلاحها ، و بسالتها كأم سليم بنت ملحان (الرميصاء) فقد شاركت في غزوة حنين وهي حامل ، تمسك الخنجر بيدها وفي اليد الاخرى تحمل خطام الجمل..
وقبلها نسيبة التي شهدت أحدا والحديبية و خيبر وعمرة القضاء و حنينا، ويوم اليمامة حيث قطعت يدها.
و في موقعة اليرموك قتلت أسماء بنت يزيد الأشهلية 9 من الروم بعمود خيمتها
وجاهدت أم حكيم بنت الحارث المخزومية وهي بثياب عرسها وقتلت 7 من العدو .

هذه شذرات متفرقة ونماذج متعددة من مكانة المرأة في هذا الدين ، الذي أعطاها الثقة، وحملها الأمانة ، واعطاها حقها غير منقوص ، فكانت رائدة في كل مناحي الحياة، و ضربت أمثلة في كل الميادين…

فهل من عنده هذه النماذج و له منهج كهذا يستبدل بمناهج غيرها برهن التاريخ فشلها وتطرفها و ازدواجيتها…؟!

الكاتبة: نبوية سيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى