جلسة شاي
لا يكتمل المجلس مع الأحبة إلا بحضور الشاي ، ولا يحلو السمر إلا على أنغام الكؤوس و خرير الشاي يجري منسابا بينها و بين الإبريق، و اختلاط الأحاديث مع أصوات المواعين ، و رائحة النعناع المنبعثة ! و خاصة نعناع البادية الذي ترتاح له النفس من حيث مصدر السقيا و السماد. وإن كان بعضهم لا يحبذ النعناع , و يزيد المشهد جمالا و شاعرية أن يكون تحت ضوء القمر و فوق كثيب ذي رمال ذهبية يسري عليها النسيم العليل ، فذلك مما يشتهى و ينبغي أن يجعل ضمن البرنامج ؛ لما له من تأثير جيد على الصحة النفسية و العلاقة الاجتماعية .
و من التصوير البديع لجلسة شاي رائقة ما يتجلى في أبيات الشاعر :
يقيم لنا مولاي و الليل مقمر
و أضواء مصباح الزجاجة تزهر
وقد نسمت ريح الشمال على الربا
نسيما بأذيال الدجى يتعثر
كؤوسا من الشاي الشهي شهية
يطيب لها ليل التمام فيقصر
الربا أو الربى على خلاف
أو يطيب بها كما يروى أيضا ؛ وكل يؤدي لنفس المعنى المقصود ، فهو قطعا يطيب بها و يطيب لها .
و الشاي من الأمور الأساسية في قرى الضيف و قد كان أجدادنا إذا انقرض يحتفظون بالموجود منه تحسبا لقدوم الضيف ؛ فإكرامه يظل ناقصا بدون تقديم كأسات الشاي و تربع ” القيام ” حول المواعين ، و قديما كانت مواعين “أتاي” تقدم للضيف ليقوم هو بصنعه و ذلك مبالغة في إكرامه .
لكن للأسف بدأت بعض الطقوس الجميلة تختفي من تلك الجلسة ! فمركزها الذي هو ” القيام ” و المواعين صار في بعض البيوت و بعض الجلسات خارج الإطار حيث يعده عامل هناك و يأتي محمولا تحسبه ينادي : لا تتركوني وحيدا فقد رحلت اثنتان ولا أربد أن ترحل الثالثة ، و كأنه فقد الأمل في عودة جيمي الجمر و “الجر” وما زال متمسكا بجيم الجماعة فهي آخر ما تبقى له ، فبالله عليكم ارحموه و لا تتركوه وحيدا فهو لا يستحق عليكم هذا العناء ، أما أنا فله عهد علي ألا أشرب الدهر شايا محمولا من غير ضرورة قاهرة ، و كما قال امحمد رحمه الله :
حلفت يمينا لست فيها بحانث
لأني بعقبى الحانثين عروف
عيشة بنت البنباري