آراء

مؤذن شنقيط

كان لا يناشده أحد برسول الله صلى الله عليه وسلم إلا استجاب لأمره ولو كان صعبا عليه، من ذلك أن امرأة ناشدته أن يصفعها فما كان منه إلا أن صلى على النبي و لبى طلبها؛ فشكته إلى الحاكم الفرنسي الذي ناداه قائلا لم فعلت ذلك، قال: هي ناشدتني برسول الله صلى الله عليه وسلم أن أصفعها, قال النصراني و هل إن فعلت أنا تصفعني ؟! قال أسأل الله أن لا تفعل ( الله لا يهديك اعليها ) ، فهو لا  يريد أن يتعرض له لكنه حتما سيصفعه إن ناشده بجاه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لقد كان يعيش حياة المسلم القانع المستشرف لرحمة ربه وجنته لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا، ومن ذلك أنه كثيرا ما كان يردد: ” يا رب حامد لك ال ماني شيخ اولاني شيخ” الشيخ الثانية بكسر الشين ومدها زعيم القبيلة؛ فشيخ التربية مؤتمن على دين الناس، والزعيم مؤتمن على حقوقهم وأموالهم، أي أنه يحمد الله أن نجاه من حمل تلك الأمانة مخافة أن يقصر فيها!

وفي ليلة من الليالي _ وهو المؤذن في المدينة _ أرسل إليه الحاكم الفرنسي أن يترك الأذان فهو يزعجه ودائما يفزعه من نومه! رفض مؤذن مسجد شنقيط الإذعان للأمر الجائر المستفز وواصل الأذان لا يخاف إلا الله، استشاط الحاكم غيظا إذ كيف لمثل هذا الشخص أن يتحدى عظمة فرنسا وحكمها!

أوثق جنود المستعمر قيود الشيخ النحيف ورموه مكتوف الأيدي والأرجل أمام مقر الحاكم لإسكات الأذان!  لكن القلب العامر بالإيمان لا سبيل للقيود عليه؛ فما إن دخل وقت الصلاة حتى انطلق صوت الحق عذبا مدويا في الآفاق يبدد ظلام الغفلة ويحدو قلوب المؤمنين أن حي على الصلاة حي على الفلاح، ويقطع على المحتلين أحلام البقاء والسيطرة؛ استيقظ الحاكم فزعا موقنا بأن استغراقه في أحلامه مستحيل ما دام هذا الأذان وأهله، ونادى حراسه أن أبعدوه عني فكوا قيده فلا فائدة منه! ومضى الشيخ العزيز بإيمانه يؤدي رسالته ويصدع بالأذان رغم أنف الكافر وجبروته.

وذات صباح صعد المؤذن المجاهد السلم ليلقي على الكون نداء الإيمان بصوته الجميل الذي لا يسمعه قلب إلا قام من نومه من شدة عذوبته وحسنه، وكان ممن استيقظ ذاك الصباح امرأة نهضت قائلة: ذاك ولد سيدي بلقاسم أنشد في مقام ” فاغو”!

نزل الشيخ مع الدرج فسقط منه؛ وكان أذان الفجر ذلك هو آخر عهده بالدنيا الفانية، رحمه الله وأسكنه فسيح جناته بجوار نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم.

 الأستاذة: عيشة بنت البنباري

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى