البيت.. بين زمانين
لا جدال في أن الأسرة هي مؤسسة التنشئة الاجتماعية الأولى والأهم .. فهي عالم الطفل الأول وبيئته الأقرب التي تطبع في عقله ونفسه التأثيرات التي ستشكل شخصيته وميوله وعاداته..
وقد كان مجتمعنا يقوم بهذا الدور التربوي والتعليمي على أحسن وجه ليس فقط من خلال الأبوين بل من خلال كامل المنظومة الاجتماعية.. فالأسرة الممتدة والجدات والخالات وأصدقاء الوالدين وأسر الأقارب والجيران .. كل أولئك يشكلون بيئة تربوية لغرس القيم التربوية الصحيحة وتحصين الأبناء من القيم الدخيلة وبناء نظام أخلاقي، متين في كثير من جوانبه، للناشئة..
اليوم ومع المدنية التي فرضت نمط حياة مغاير بات العبؤ على الأسرة النووية وعلى البيت أكبر؛ وذلك في مواجهة مجموعة من التحديات المتكاثرة ..لعل أولها سيل المنتوج الاعلامي الذي يعجز الوالدان عن مراقبته وغربلته؛ فضلا عن شلة الرفاق المجهولة، وتراجع الدور التهذيبي لكثير من المدارس والمؤسسات التعليمية ..
في ظل هذا الواقع الذي لم يعد الطفل فيه محاصرا بالتأثير الاجتماعي الايجابي؛ بل مبحرا في عالم مجهولٍ من قبل الوالدين؛ مشوِّقٍ في شكله سامٍّ في مضامينه .. سموما تتدحرج خطورتها من الخطر على العقيدة والأخلاق إلى غرس الانحراف السلوكي ..
لم يعد اليوم من بدٍّ أمام بيوتنا إلا الوعي بأن مهمة التنشئة أكبر من مجرد الذهاب بالطفل إلى الروضة أو المدرسة أو الإعدادية ..
بل من اللازم توفير أوقات وجهود واهتمامات من قبل الآباء والأمهات .. يعي أصحابها حجم التحدي واحتياجات مواجهته من الثقافة التربوية الصحيحة ومن الإنصات والاقتراب والمواكبة للأطفال حتى يحقق البيت رسالته في تصحيح العقيدة وغرس القيم وتقويم السلوك .. وبناء الشخصية بناءً سليما ..
ولعل التعاون مع مشاريع التنشئة القليلة في بلدنا – مثل الجمعية الموريتانية لرعاية الطفولة – إحدى السبل لتحقيق هذا الوعي وهذه المهارة التربوية التي لا تتطلب ثقافة خاصة ولا مؤهلا معرفيا خاصا؛ بل تتطلب وعيا ومسؤولية ..
الأستاذ: صبحي ودادي