ارتق بروحك

مناجاةٌ تَهَبُ السلام..

تأسر الأحزان قلبك وتعذب الآلام روحك.. تنظر حولك فلا تجد إلا الظلام.. ظلام  قاتم… وصمت مهيب

تركت خلفك الأهل والأصحاب… وجّهت وجهك للذي فطر الأرض والسماوات أنت تعلم حقّا أن لا خير لك في الشكوى لغيره…لأنّ بيديه قدرك…وتدرك ألا فائدة من الاستنجاد بسواه…لأنه وحده يهتم بك… ينصت إلى أنات قلبك المهموم.. يستمع لزفرات روحك المعذبة.. ترفع رأسك إليه بعدما أحنيته يأسًا… تمدّ يديك نحوه بعدما تعبت من مدهما لغيره.. تناديه… تناجيه.. لستَ محتاجًا لتكلّف ولا تبرير.. أنت بين يدي جبار عزيز قدير.. تخونك العبارات.. تخنقك العبرات.. أنت وحدك في الظلام.. لكنّ مناجاتَه وهبتك السلام…فجأة انعقد لسانك، ما عدت قادرًا على وصف حالتك، أنت ضعيف، خائف، وحيد والأهم أنك تائه.. وهل يوجد شيء آلم من الحيرة؟! هل يوجد أفزع من الضياع؟!!

انعقد اللسان لكنّ الدموع تكلمت: “فؤادي مكسور.. روحي تحترق.. وليس لي سواك…”ترجوه.. تلح في دعاءك… إليه تشكو الآلام وتسوق الآمال وهو -سبحانه- أعلمُ بها

….أحسستَ بسعادة لا يمكن وصفها، كيف لا وقد أخرجتَ الأمور من حولك إلى حول القويّ المتين، شعرتَ براحة لا حد لعمقها .. فأنت الآن لستَ وحدك، تستطيع مجابهة هذه الحياة وخوض مخاطرها و لم تعد خائفًا من الماضي ولا قلِقًا على المستقبل.. هو معك.. يراك ويسمعك.. تذكرتَ قوله تعالى:(الله لطيفٌ بعباده)..تبكي!!،لكنك تبكي سعادةً وفخرًا ..

…ثم

فجأة يراودك شعور غريب.. شعور بالخجل.. شعور بألم مختلف.. يناديك وجدانُك ويصيح فؤادُك : أثقلت كاهلاك الذنوب، أما آنَ الأوان لكي تتوب…”أستغفرك يا حليم.. أتوب إليك يا غفار.. من كل زلة، غفلة، إعراض، عصيان.. فاقبل توبتي يا إلهي واهدني إليك.. إنّي أغرق في لجج الظلام والمعاصي.. وأنت وحدك من سينجيني إلى بر الأمان والإيمان، لأرى نور الهداية والإحسان.. إليك توجهت     يا رب.. اهدني ويسّر الهدى لي

تحمد الله كثيرًا.. تحمده وتحمده على كل شيء… على نفسك التي بين جنبيك، تلك النفس المتذبذبة بين ذنب واستقامة، الهاوية في حفر العصيان السحيقة، هي نفس تؤمن بالله، نفس غرست في ثناياها معاني التوكل والإيمان… حتى وإن انحرفت عن المسار فستعود بكل تأكيد لباريها… خجلي… تائبة… وهو -جلّ وعلا-يمدّ يديه كلّ صباحٍ ومساءٍ ليستقبل التائبين ويهديَ الحائرين

                       

 هكذا، فقد بزغ الفجر.. لكنك لم تعد الإنسان ذاته الذي وضع رأسه على وسادته منتظرًا بزوغ الفجر ليلة البارحة.. لقد اجتمعت أشلاء روحك الممزقة، وانتظمت شظايا قلبك المكسور.

بعد انتهاء هذا اليوم المبارك الجميل، أحسست بأن حياتك التي كانت كخيوط متشابكة ،وأمورك التي كانت تشبه سماعات هاتفك المحمول لحظة إخراجك إياها من جيبك الخلفي…شعرتَ فجأةً أن كل تلك الأشياء قد أخذتْ مسارها الصحيح تلقائيًا.. تحسّ بقوةٍ أشبه ما تكون بقوةٍ خارقة… اختفى الخوف.. تلاشى القلق.. انزاحت الأحزان

صرخت كل خلية من خلاياك:

            “أنتَ لستَ أنتَ… فأنتَ لستَ وحدكَ”.

الكاتبة: تسلم محمد غلام

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى